الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَصَلَهُ الْبُخَارِيّ فِي خَلْق أَفْعَال الْعِبَاد مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَةَ فِي قوله: {وَالطُّور وَكِتَاب مَسْطُور} قَالَ الْمَسْطُور: الْمَكْتُوب، فِي رَقٍّ مَنْشُور: هُوَ الْكِتَاب، وَصَلَهُ عَبْدُ بْن حُمَيْدٍ مِنْ رِوَايَة شَيْبَانَ بْن عَبْد الرَّحْمَن وَعَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ نَحْوه، وَأَخْرَجَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قوله: {وَكِتَاب مَسْطُور} قَالَ صُحُف مَكْتُوبَة {فِي رَقٍّ مَنْشُور} قَالَ فِي صُحُف.قَوْله: (يَسْطُرُونَ: يَخُطُّونَ):أَيْ يَكْتُبُونَ، أَوْرَدَهُ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق شَيْبَانَ بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ قَتَادَةَ فِي قوله: {وَالْقَلَم وَمَا يَسْطُرُونَ} قَالَ وَمَا يَكْتُبُونَ.قَوْله: (فِي أُمّ الْكِتَاب جُمْلَة الْكِتَاب وَأَصْله).وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَاب النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ مِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله: {يَمْحُو اللَّه مَا يَشَاء وَيُثْبِت وَعِنْده أُمّ الْكِتَاب} قَالَ جُمْلَة الْكِتَاب وَأَصْله، وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق فِي تَفْسِيره عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ وَعِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تعالى: {وَعِنْده أُمّ الْكِتَاب} يَقُول جُمْلَة ذَلِكَ عِنْده فِي أُمّ الْكِتَاب النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ وَمَا يُكْتَب وَمَا يُبَدَّل.قَوْله: {مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل}مَا يَتَكَلَّم مِنْ شَيْء إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ، وَصَلَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق شُعَيْب بْن إِسْحَاق عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَن فِي قوله: {مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل} قَالَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ مِنْ شَيْء إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ وَمِنْ طَرِيق زَائِدَة بْن قُدَامَةَ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ مَجْمَع قَالَ: الْمَلَك مِدَادُهُ رِيقُهُ، وَقَلَمُهُ لِسَانُهُ.قَوْله: (وَقَالَ اِبْن عَبَّاس يَكْتُب الْخَيْر وَالشَّرّ).وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق هِشَام بْن حَسَّان عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تعالى: {مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل} قَالَ إِنَّمَا يَكْتُب الْخَيْر وَالشَّرّ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَلِيِّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تعالى: {مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عَتِيد} قَالَ يُكْتَب كُلّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ حَتَّى أَنَّهُ لَيُكْتَب قَوْله: أَكَلْت شَرِبْت ذَهَبْت جِئْت رَأَيْت حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْم الْخَمِيس عُرِضَ قَوْله وَعَمَله فَأُقِرَّ مَا كَانَ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ وَأُلْقِيَ سَائِره، فَذَلِكَ قَوْله: {يَمْحُوا اللَّه مَا يَشَاء وَيُثْبِت وَعِنْده أُمّ الْكِتَاب} وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ هَذَا مِنْ طَرِيق الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن رِئَاب بِكَسْرِ الرَّاء ثُمَّ يَاء مَهْمُوزَة وَآخِره مُوَحَّدَة، وَالْكَلْبِيّ مَتْرُوك وَأَبُو صَالِح لَمْ يُدْرِك جَابِرًا هَذَا، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَن {مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل} مَا يَتَكَلَّم بِهِ مِنْ شَيْء إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ وَكَانَ عِكْرِمَة يَقُول إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَيْر وَالشَّرّ. قُلْت: وَيُجْمَع بَيْنهمَا بِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْن أَبِي طَلْحَة الْمَذْكُورَة.قَوْله: (يُحَرِّفُونَ: يُزِيلُونَ).لَمْ أَرَ هَذَا مَوْصُولًا مِنْ كَلَام اِبْن عَبَّاس مِنْ وَجْه ثَابِت مَعَ أَنَّ الَّذِي قَبْله مِنْ كَلَامه وَكَذَا الَّذِي بَعْده، وَهُوَ قَوْله دِرَاسَتهمْ: تِلَاوَتهمْ وَمَا بَعْده، وَأَخْرَجَ جَمِيع ذَلِكَ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَاب قوله: {كُلّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن} عَنْ اِبْن عَبَّاس مَا يُخَالِف مَا ذَكَرَ هُنَا وَهُوَ تَفْسِير يُحَرِّفُونَ بِقَوْلِهِ يُزِيلُونَ، نَعَمْ أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق وَهْب بْن مُنَبِّه، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي كِتَاب الْمَجَاز فِي قَوْله يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه قَالَ: يُقَلِّبُونَ وَيُغَيِّرُونَ، وَقَالَ الرَّاغِب التَّحْرِيف الْإِمَالَة وَتَحْرِيف الْكَلَام أَنْ يَجْعَلهُ عَلَى حَرْف مِنْ الِاحْتِمَال بِحَيْثُ يُمْكِن حَمْله عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَكْثَر.قَوْله: (وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيل لَفْظ كِتَاب اللَّه مِنْ كُتُب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ: يَتَأَوَّلُونَهُ عَنْ غَيْر تَأْوِيله).فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله قَالَ شَيْخنَا اِبْن الْمُلَقِّن فِي شَرْحه هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة وَهُوَ مُخْتَاره- أَيْ الْبُخَارِيّ- وَقَدْ صَرَّحَ كَثِير مِنْ أَصْحَابنَا بِأَنَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بَدَّلُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ جَوَاز اِمْتِهَان أَوْرَاقهمَا وَهُوَ يُخَالِف مَا قَالَهُ الْبُخَارِيّ هُنَا اِنْتَهَى. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ قَوْله وَلَيْسَ أَحَد إِلَى آخِره مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيّ ذَيَّلَ بِهِ تَفْسِير اِبْنِ عَبَّاس وَهُوَ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون بَقِيَّة كَلَامِ اِبْنِ عَبَّاس فِي تَفْسِير الْآيَة، وَقَالَ بَعْض الشُّرَّاح الْمُتَأَخِّرِينَ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة عَلَى أَقْوَال أَحَدُهَا: أَنَّهَا بُدِّلَتْ كُلّهَا وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوْل الْمَحْكِيّ بِجَوَازِ الِامْتِهَان وَهُوَ إِفْرَاط، وَيَنْبَغِي حَمْل إِطْلَاق مَنْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْأَكْثَر وَإِلَّا فَهِيَ مُكَابَرَة، وَالْآيَات وَالْأَخْبَار كَثِيرَةٌ فِي أَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاء كَثِيرَة لَمْ تُبَدَّل، مِنْ ذَلِكَ قَوْله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} الْآيَة، وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّة رَجْم الْيَهُودِيَّيْنِ وَفِيهِ وُجُود آيَة الرَّجْم، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ثَانِيهَا: أَنَّ التَّبْدِيل وَقَعَ وَلَكِنْ فِي مُعْظَمهَا وَأَدِلَّته كَثِيرَةٌ وَيَنْبَغِي حَمْل الْأَوَّل عَلَيْهِ، ثَالِثهَا: وَقَعَ فِي الْيَسِير مِنْهَا وَمُعْظَمهَا بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَنَصَرَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين بْن تَيْمِيَةَ فِي كِتَابه الرَّدّ الصَّحِيح عَلَى مَنْ بَدَّلَ دِين الْمَسِيح، رَابِعُهَا: إِنَّمَا وَقَعَ التَّبْدِيل وَالتَّغْيِير فِي الْمَعَانِي لَا فِي الْأَلْفَاظ وَهُوَ الْمَذْكُور هُنَا، وَقَدْ سُئِلَ اِبْن تَيْمِيَةَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة مُجَرَّدًا فَأَجَابَ فِي فَتَاوِيه أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَاحْتَجَّ لِلثَّانِي مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةِ مِنْهَا قَوْله تعالى: {لَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِهِ} وَهُوَ مُعَارَض بِقَوْلِهِ تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمه عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} وَلَا يَتَعَيَّنْ الْجَمْع بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَمْل عَلَى اللَّفْظ فِي النَّفْي وَعَلَى الْمَعْنَى فِي الْإِثْبَات لِجَوَازِ الْحَمْل فِي النَّفْي عَلَى الْحُكْم وَفِي الْإِثْبَات عَلَى مَا هُوَ أَعَمّ مِنْ اللَّفْظ وَالْمَعْنَى، وَمِنْهَا أَنَّ نَسْخ التَّوْرَاة فِي الشَّرْق وَالْغَرْب وَالْجَنُوب وَالشَّمَال لَا يَخْتَلِف وَمِنْ الْمُحَال أَنْ يَقَع التَّبْدِيل فَيَتَوَارَد النَّسْخ بِذَلِكَ عَلَى مِنْهَاج وَاحِد، وَهَذَا اِسْتِدْلَال عَجِيب؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ وُقُوع التَّبْدِيل جَازَ إِعْدَام الْمُبْدَل وَالنَّسْخ الْمَوْجُودَة الْآنَ هِيَ الَّتِي اِسْتَقَرَّ عَلَيْهَا الْأَمْر عِنْدهمْ عِنْد التَّبْدِيل وَالْأَخْبَار بِذَلِكَ طَافِحَة، أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّق بِالتَّوْرَاةِ فَلِأَنَّ بُخْتَنَصَّر لَمَّا غَزَا بَيْت الْمَقْدِس وَأَهْلَكَ بَنِي إِسْرَائِيل وَمَزَّقَهُمْ بَيْن قَتِيل وَأَسِير وَأَعْدَمَ كُتُبهمْ حَتَّى جَاءَ عُزَيْر فَأَمْلَاهَا عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْإِنْجِيلِ فَإِنَّ الرُّوم لَمَّا دَخَلُوا فِي النَّصْرَانِيَّة جَمَعَ مَلِكُهُمْ أَكَابِرَهُمْ عَلَى مَا فِي الْإِنْجِيل الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ وَتَحْرِيفهمْ الْمَعَانِي لَا يُنْكَر بَلْ هُوَ مَوْجُود عِنْدهمْ بِكَثْرَةٍ وَإِنَّمَا النِّزَاع هَلْ حُرِّفَتْ الْأَلْفَاظ أَوْ لَا؟ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْكِتَابَيْنِ مَا لَا يَجُوز أَنْ يَكُون بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ مِنْ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَصْلًا، وَقَدْ سَرَدَ أَبُو مُحَمَّد بْن حَزْم فِي كِتَابه الْفَصْل فِي الْمِلَل وَالنِّحَل أَشْيَاء كَثِيرَةِ مِنْ هَذَا الْجِنْس، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي أَوَّلِ فَصْل فِي أَوَّلِ وَرَقَة مِنْ تَوْرَاة الْيَهُود الَّتِي عِنْد رُهْبَانهمْ وَقُرَّائِهِمْ وَعَانَاتهمْ وَعِيسَوِيِّهِمْ حَيْثُ كَانُوا فِي الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا عَلَى صِفَة وَاحِدَة لَوْ رَامَ أَحَدٌ أَنْ يَزِيد فِيهَا لَفْظَة أَوْ يُنْقِص مِنْهَا لَفْظَة لَافْتَضَحَ عِنْدهمْ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا عِنْدهمْ إِلَى الْأَحْبَار الْهَارُونِيَّة الَّذِينَ كَانُوا قَبْل الْخَرَاب الثَّانِي يَذْكُرُونَ أَنَّهَا مُبَلَّغَة مِنْ أُولَئِكَ إِلَى عِزْرَا الْهَارُونِيّ، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنْ الشَّجَرَة: هَذَا آدَمُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا فِي مَعْرِفَة الْخَيْر وَالشَّرّ وَأَنَّ السَّحَرَة عَمِلُوا لِفِرْعَوْن نَظِير مَا أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّم وَالضَّفَادِع وَأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ الْبَعُوض وَأَنَّ اِبْنَتَيْ لُوط بَعْد هَلَاك قَوْمه ضَاجَعَتْ كُلّ مِنْهُمَا أَبَاهَا بَعْد أَنْ سَقَتْهُ الْخَمْر فَوَطِئَ كُلًّا مِنْهُمَا فَحَمَلَتَا مِنْهُ إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور الْمُنْكَرَة الْمُسْتَبْشَعَة، وَذَكَرَ فِي مَوَاضِع أُخْرَى أَنَّ التَّبْدِيل وَقَعَ فِيهَا إِلَى أَنْ أُعْدِمَتْ فَأَمْلَاهَا عِزْرَا الْمَذْكُور عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآن ثُمَّ سَاقَ أَشْيَاء مِنْ نَصّ التَّوْرَاة الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ الْآن الْكَذِب فِيهَا ظَاهِرٌ جِدًّا ثُمَّ قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُنْكِرُونَ أَنَّ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل اللَّتَيْنِ بِأَيْدِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى مُحَرَّفَانِ وَالْحَامِل لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قِلَّة مُبَالَاتهمْ بِنُصُوصِ الْقُرْآن وَالسُّنَّة وَقَدْ اِشْتَمَلَا عَلَى أَنَّهُمْ {يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه} و{يَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه}. و{لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، وَيُقَال لِهَؤُلَاءِ الْمُنْكِرِينَ: قَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي صِفَة الصَّحَابَة {ذَلِكَ مَثَلهمْ فِي التَّوْرَاة وَمَثَلهمْ فِي الْإِنْجِيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} إِلَى آخِر السُّورَة، وَلَيْسَ بِأَيْدِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى شَيْء مِنْ هَذَا وَيُقَال لِمَنْ اِدَّعَى أَنَّ نَقْلهمْ نَقْل مُتَوَاتِر قَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا ذِكْر لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابَيْنِ، فَإِنْ صَدَّقْتُمُوهُمْ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ لِكَوْنِهِ نُقِلَ نَقْل الْمُتَوَاتِر فَصَدَّقُوهُمْ فِيمَا زَعَمُوهُ أَنْ لَا ذِكْر لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابه، وَإِلَّا فَلَا يَجُوز تَصْدِيق بَعْض وَتَكْذِيب بَعْض مَعَ مَجِيئِهِمَا مَجِيئًا وَاحِدًا اِنْتَهَى كَلَامُهُ وَفِيهِ فَوَائِد، وَقَالَ الشَّيْخ بَدْر الدِّين الزَّرْكَشِيّ: اِغْتَرَّ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ بِهَذَا- يَعْنِي بِمَا قَالَ الْبُخَارِيّ- فَقَالَ إِنَّ فِي تَحْرِيف التَّوْرَاة خِلَافًا هَلْ هُوَ فِي اللَّفْظ وَالْمَعْنَى أَوْ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ، وَمَالَ إِلَى الثَّانِي وَرَأَى جَوَاز مُطَالَعَتهَا وَهُوَ قَوْل بَاطِل، وَلَا خِلَاف أَنَّهُمْ حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا، وَالِاشْتِغَال بِنَظَرِهَا وَكِتَابَتهَا لَا يَجُوز بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ غَضِبَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين رَأَى مَعَ عُمَر صَحِيفَة فِيهَا شَيْء مِنْ التَّوْرَاة، وَقَالَ: لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اِتِّبَاعِي وَلَوْلَا أَنَّهُ مَعْصِيَة مَا غَضِبَ فِيهِ. قُلْت: إِنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاع فَلَا كَلَام فِيهِ وَقَدْ قَيَّدَهُ بِالِاشْتِغَالِ بِكِتَابَتِهَا وَنَظَرهَا فَإِنْ أَرَادَ مَنْ يَتَشَاغَل بِذَلِكَ دُونَ غَيْره فَلَا يَحْصُل الْمَطْلُوب؛ لِأَنَّهُ يُفْهِم أَنَّهُ لَوْ تَشَاغَلَ بِذَلِكَ مَعَ تَشَاغُله بِغَيْرِهِ جَازَ وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَق التَّشَاغُل فَهُوَ مَحَلّ النَّظَر، وَفِي وَصْفه الْقَوْل الْمَذْكُور بِالْبُطْلَانِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ نَظَر أَيْضًا، فَقَدْ نُسِبَ لِوَهْبِ بْن مُنَبِّه وَهُوَ مِنْ أَعْلَم النَّاس بِالتَّوْرَاةِ، وَنُسِبَ أَيْضًا لِابْنِ عَبَّاس تُرْجُمَان الْقُرْآن وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْك الدَّفْع بِالصَّدْرِ وَالتَّشَاغُل بِرَدِّ أَدِلَّة الْمُخَالِف الَّتِي حَكَيْتهَا، وَفِي اِسْتِدْلَاله عَلَى عَدَم الْجَوَاز الَّذِي اِدَّعَى الْإِجْمَاع فِيهِ بِقِصَّةِ عُمَر نَظَر أَيْضًا سَأَذْكُرُهُ بَعْد تَخْرِيج الْحَدِيث الْمَذْكُور، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ مِنْ حَدِيث جَابِر قَالَ: نَسَخَ عُمَر كِتَابًا مِنْ التَّوْرَاة بِالْعَرَبِيَّةِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقْرَأ وَوَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّر. فَقَالَ لَهُ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار: وَيْحك يَا اِبْن الْخَطَّاب أَلَا تَرَى وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْأَلُوا أَهْل الْكِتَاب عَنْ شَيْء فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، وَاَللَّه لَوْ كَانَ مُوسَى بَيْن أَظْهُركُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعنِي» وَفِي سَنَده جَابِر الْجُعْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيف، وَلِأَحْمَد أَيْضًا وَأَبِي يَعْلَى مِنْ وَجْه آخَر عَنْ جَابِر أَنَّ عُمَر أَتَى بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْض كُتُب أَهْل الْكِتَاب فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ دُون قَوْل الْأَنْصَارِيّ وَفِيهِ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعنِي» وَفِي سَنَده مُجَالِد بْن سَعِيد وَهُوَ لَيِّن، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُول وَمُخْتَلَف فِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء «جَاءَ عُمَر بِجَوَامِع مِنْ التَّوْرَاة فَذَكَرَ بِنَحْوِهِ» وَسَمَّى الْأَنْصَارِيّ الَّذِي خَاطَبَ عُمَر عَبْد اللَّه بْن زَيْد الَّذِي رَأَى الْأَذَان، وَفِيهِ «لَوْ كَانَ مُوسَى بَيْن أَظْهُركُمْ ثُمَّ اِتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُوهُ لَضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن ثَابِت قَالَ: «جَاءَ عُمَر فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنِّي مَرَرْت بِأَخٍ لِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَة فَكَتَبَ لِي جَوَامِع مِنْ التَّوْرَاة أَلَا أَعْرِضهَا عَلَيْك؟ قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الْحَدِيث وَفِيهِ: «وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْ أَصْبَحَ مُوسَى فِيكُمْ ثُمَّ اِتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ» وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيق خَالِد بْن عُرْفُطَة قَالَ: كُنْت عِنْد عُمَر فَجَاءَهُ رَجُل مِنْ عَبْد الْقَيْس فَضَرَبَهُ بِعَصًا مَعَهُ فَقَالَ مَا لِي يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ أَنْتَ الَّذِي نَسَخْت كِتَاب دَانْيَال قَالَ مُرْنِي بِأَمْرِك قَالَ اِنْطَلِقْ فَامْحُهُ فَلَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّك قَرَأْته أَوْ أَقْرَأْته لَأُنْهِكَنَّك عُقُوبَة، ثُمَّ قَالَ اِنْطَلَقْت فَانْتَسَخْت كِتَابًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب ثُمَّ جِئْت فَقَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا قُلْت كِتَاب انْتَسَخْته لِنَزْدَادَ بِهِ عِلْمًا إِلَى عِلْمنَا فَغَضِبَ حَتَّى اِحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ فَذَكَرَ قِصَّة فِيهَا: يَا أَيُّهَا النَّاس إِنِّي قَدْ أُوتِيت جَوَامِع الْكَلِم وَخَوَاتِمه وَاخْتُصِرَ لِي الْكَلَام اِخْتِصَارًا وَلَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاء نَقِيَّة فَلَا تَتَهَوَّكُوا، وَفِي سَنَده عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ ضَعِيف، وَهَذِهِ جَمِيع طُرُق هَذَا الْحَدِيث وَهِيَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُحْتَجّ بِهِ لَكِنَّ مَجْمُوعهَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهَا أَصْلًا، وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَالْأَوْلَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة التَّفْرِقَة بَيْن مَنْ لَمْ يَتَمَكَّن وَيَصِرْ مِنْ الرَّاسِخِينَ فِي الْإِيمَان فَلَا يَجُوز لَهُ النَّظَر فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّاسِخ فَيَجُوز لَهُ وَلاسيما عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى الرَّدّ عَلَى الْمُخَالِف، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ نَقْلُ الْأَئِمَّة قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ التَّوْرَاة وَإِلْزَامهمْ الْيَهُود بِالتَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ كِتَابهمْ، وَلَوْلَا اِعْتِقَادهمْ جَوَاز النَّظَر فِيهِ لَمَا فَعَلُوهُ وَتَوَارَدُوا عَلَيْهِ، وَأَمَّا اِسْتِدْلَاله لِلتَّحْرِيمِ بِمَا وَرَدَ مِنْ الْغَضَب وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَة مَا غَضِبَ مِنْهُ فَهُوَ مُعْتَرَض بِأَنَّهُ قَدْ يَغْضَب مِنْ فِعْل الْمَكْرُوه وَمِنْ فِعْل مَا هُوَ خِلَاف الْأَوْلَى إِذَا صَدَرَ مِمَّنْ لَا يَلِيق مِنْهُ ذَلِكَ، كَغَضَبِهِ مِنْ تَطْوِيل مُعَاذ صَلَاة الصُّبْح بِالْقِرَاءَةِ، وَقَدْ يَغْضَب مِمَّنْ يَقَع مِنْهُ تَقْصِير فِي فَهْم الْأَمْر الْوَاضِح مِثْل الَّذِي سَأَلَ عَنْ لُقَطَة الْإِبِل، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْعِلْم الْغَضَب فِي الْمَوْعِظَة، وَمَضَى فِي كِتَاب الْأَدَب مَا يَجُوز مِنْ الْغَضَب.قَوْله: (يَتَأَوَّلُونَهُ).قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَطَائِفَة فِي قَوْله تعالى: {وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه} التَّأْوِيل التَّفْسِير وَفَرَّقَ بَيْنهمَا آخَرُونَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ: التَّأْوِيل رَدّ أَحَد الْمُحْتَمَلَيْنِ إِلَى مَا يُطَابِق الظَّاهِر، وَالتَّفْسِير كَشْف الْمُرَاد عَنْ اللَّفْظ الْمُشْكِل وَحَكَى صَاحِب النِّهَايَة أَنَّ التَّأْوِيل نَقْل ظَاهِر اللَّفْظ عَنْ وَضْعه الْأَصْلِيّ إِلَى مَا لَا يَحْتَاج إِلَى دَلِيل لَوْلَاهُ مَا تُرِكَ ظَاهِر اللَّفْظ، وَقِيلَ: التَّأْوِيل إِبْدَاء اِحْتِمَال لَفْظ مُعْتَضِد بِدَلِيلٍ خَارِج عَنْهُ، وَمَثَّلَ بَعْضهمْ بِقَوْلِهِ تعالى: {لَا رَيْب فِيهِ} قَالَ مَنْ قَالَ لَا شَكّ فِيهِ فَهُوَ التَّفْسِير، وَمَنْ قَالَ لِأَنَّهُ حَقّ فِي نَفْسه لَا يَقْبَل الشَّكّ فَهُوَ التَّأْوِيل، وَمُرَاد الْبُخَارِيّ بِقَوْلِهِ يَتَأَوَّلُونَهُ أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ الْمُرَاد بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيل كَمَا لَوْ كَانَتْ الْكَلِمَة بِالْعِبْرَانِيَّةِ تَحْتَمِل مَعْنَيَيْنِ قَرِيب وَبَعِيد وَكَانَ الْمُرَاد الْقَرِيب فَإِنَّهُمْ يَحْمِلُونَهَا عَلَى الْبَعِيد وَنَحْو ذَلِكَ. اهـ.
.تفسير الآية رقم (116): قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}.مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: ولما أجاب عن شبهات الكفار، وبين صحة نبوته عليه السلام، شرع في الحث على الإعراض عن جهل الجهال، والإقبال على ذي الجلال، فكان التقدير: فإن أطعته فيما أمرك به اهتديت إلى صراط الله الذي يتم لك بسلوكه جميع ما وعدك به، عطف عليه قوله: {وإن تطع} ولما كانت أكثر الأنفس متقيدة بالأكثر، أشار إلى أن ذلك لا يفعله إلا جاهل مخلد إلى التقليد فقال: {أكثر من في الأرض} أي توجد طاعتك لهم في شيء من الأوقات بعد أن علمت أن أكثرهم إنما يتبع الهوى، وأن أكثرهم فاسقون لا يعلمون لا يشكرون {يضلوك عن سبيل الله} أي المستجمع لصفات الكمال؛ ثم علل ذلك بقوله: {إن} أي لأنهم ما {يتبعون} في أمورهم {إلا الظن} أي كما يظن هؤلاء جهلًا أن آباءهم كانوا على الحق.ولما كان أكثر من يجزم بالأمور بما دعاه إليه ظنه كذبًا، وكان الخارص يقال على الكاذب والمخمن الحازر، قال: {وإن هم} أي بصميم ضمائرهم {إلا يخرصون} أي يجزمون بالأمور بحسب ما يقدرون، فيكشف الأمر عن أنها كذب، فيعرف الفرق بينك وبينهم في تمام الكلام ونفوذه نفوذ السهام، أو تخلفه عن التمام ونكوصه كالسيف الكهام، فلا يبقى شبهة في أمر المحق والمبطل. اهـ.
|